السبت، 14 يناير 2023

حقيقة التاروت وقراءة الفنجان وعلم الابراج وقراءة الكف من القرآن الكريم.

                     بسم الله الرحمن الرحيم

الغيب المطلق والغيب النسبي في القرآن الكريم

من المعلوم أن معرفة الغيب المطلق قد انفرد بعلمه الخالق وحده سبحانه وتعالى وحدد له مفاتحه لا يعلمها إلا هو لكن تكمن المشكلة بذاتها في تحديد ماهية الغيب النسبي وحدوده.

وفي ذلك الموضوع سيتم بعون الله محاولة تحديد  ماهية الغيب النسبي وحدوده من آيات القرآن وكلماته وفهمه فهما صحيحا  مجرداً عن الزيغ والهوى و مجتنبا تحليل حراما أو تحريم حلالاً.

 حيث ذاع على مدار الأجيال محاولات من الضعفاء والمستضعفين والجهلاء والمشعوذين والسحرة والكهنة والعرافين لمعرفة جانب أو أكثر من جوانب علم الغيب ومعرفة مايخبئه المستقبل للأشخاص أو الجماعات مما يؤدي إلى حدوث أمور عصيبة مفادها أنها تتسبب من إستخدام وسائل تؤدي إلى الشرك بالله والإستعانة بالجن والشياطين وصولاً إلى إيذاء الأنفس بشتى الوسائل السلبية الشريرة المحرمة الناتجة عن تلك الاستعانة بالجن والشياطين وأعمال السحر المتنوعة.

ولقد كثر في زمننا الحاضر محاولات بطرق مختلفة منها على سبيل المثال لا الحصر- قراءة الفنجان -وقراءة الكف- وضرب الودع  -وما يخبره علم الأبراج الفلكية- و قراءة التاروت والكوتشينة - وغير ذلك من طرق معرفة الغيب النسبي.

فأي هذه الأفعال محرم وأيها جائز ؟

وفي محاولة الإنسان المعاصر التفاؤل و الإطمئنان النفسي على مستقبله ومستقبل أحبائه وإتخاذ خطوات وقرارات مصيرية وفي نفس الوقت محاولة إجتناب ماقد يعرضه للخطر وتجاهله..يثور التساؤل التالي:

هل هذا الإطلاع على الغيب النسبي هو جائز في القرآن من الأساس أم أنه غير جائز؟

وفي تفصيل ذلك الموضوع إبتداء يقول الله سبحانه وتعالى: 

قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ.

جاءت هذه الآية الكريمة بتعريف علم الغيب على إطلاقه فقد يستفاد منها إبتداء أن الغيب لا انواع له ولكن جاءت آية أخرى توضح أن الغيب له نوعين وهذه الآية وهي:

عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا (26)إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) سورة الجن.

فقد أظهر الإستثناء الوارد في الآية السابقة أن الغيب بإطلاقه لا يظهر على مخلوق أيا كان إلا عن طريق الوحي ومن ذلك يستنتج و يستفاد أن الغيب من الممكن معرفته والإحاطة به من البشر عن طريق الوحي إلى الرسل وبذلك ينتقل من علم الغيب إلى علم الشهادة ولكنه يظل غيبا نسبياً لمن لا يعرفه ولا يعلم عنه شيئا.. عدا الغيب المطلق فلا يمكن معرفته ولا الإحاطة به ذلك الذي احتفظ به الله سبحانه لذاته كما تدل على ذلك الآيتين اللاحقتين:

وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ.

إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.

فقد أشار الله سبحانه في هاتين الآيتين إلى الغيب المطلق الذي إحتفظ به لذاته فقط دون غيره من خلقه في ملكوته وحتى رسله من الملائكة والبشر الموحى إليهم..

ففي الآية الأولى مفاتح الغيب التى لا يعلمها إلا هو ولايمكن لبشر ولا ملاك ولا جني ولا شيطان الإحاطة بها أو حصرها.

أما في الآية الثانية فقد حدد انواع الغيب المطلق الذي لا يعلمه أحد سواه وهي على الترتيب:

١- علم الساعة: فلا يعلم مخلوق أيا كان وقتها بالتحديد ولا كيفيتها ولا زمانها ولا أمر الله بها.

٢- إنزال الغيث: فلا يحيط مخلوق بها ولا يمكن للبشر إدارة عملية تبخير المياه وإرسال الرياح وتكوين السحب وإنزال الأمطار بتلك الكميات المهولة التي تحدث في شتى أقطار الأرض بأكملها وبأمر من الله فقط.

٣- علم ما في الارحام: فلا يدرك مخلوق أي كائن سيصير في أرحام الثدييات من نفس ورزق ومصير من مستقر ومستودع والدليل على ذلك (حرف الوصل ما ) ولم يقل من.. وإلا كان نوع الأجنة علم غيبيا مطلقا.

 ولا يقدر أن يتحكم بشر  مهما بلغ من العلم التجريبي أن يتم تخليق كائن متكامل متحكم فيه لأن  الله وحده هو خالق كل شىء و أيضاً بسبب ضعف الطالب والمطلوب.

٤- الكسب للأنفس وعدم إستدراك كيفية الموت:

وفي هذه المسألة يكمن الفارق بين الغيب المطلق والنسبي..

فقد ذكر الله تعالى الكسب ولم يذكر الإكتساب في قوله ولاتدرى نفس ماذا تكسب غداً .. ومعنى ذلك أن ما كسبه الإنسان فهو من الله وحده غيب مطلق .. أما ما يكتسبه الإنسان فهو من نفسه ومن غيره هو بذلك غيب نسبي.. والعلاقة بينهما متشابكة إذ أن ما كسبه الإنسان كله خير فالله بيده الخير فلاشر منه أبدا.. ولكن ما يكتسبه الإنسان فقد يكون فيه الشر لقول الله سبحانه:

لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ البقرة.

وينبني على الفارق بين نوعي الغيب أمرا شديد الأهمية يغفل عنه كثيرين وهو أن ما كسبه الإنسان هو خير مطلق وأنه يجئ قدرا مسيرا لا يخير فيه الإنسان ولا يتدخل فيه مخلوق فهو حادث له لامحالة..

فيثور التساؤل مجددا: هل القدر إذا غيب مطلق ام غيب نسبي ينتقل بذاته مشهودا إلى علم الشهادة؟

والإجابة على ذلك هي أن القدر هو غيب نسبي لأنه من قبيل الوحي إلى الملائكة الكرام المكلفون بتنفيذه على الأرض.

بل ويتم التصحيح في الفهم بناء على ذلك إلى أن تلك العلوم التي تتعلق بقدر الإنسان (الأبراج وغيرها) ليست غيبا مطلقا بل هي غيب نسبي لأنها قدر من الله على البشر..

ويثور تساؤل هام جديد هو: هل علم القدر ومعرفته متاح للبشر أم لا؟

مع العلم أن القدر أمر غيبي نسبي قد أوحى به الله إلى رسله وملائكته؟

والإجابة على هذا السؤال الهام الضروري نجد الإجابة في القرآن الكريم فقد قال تعالى:

وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) سورة الذاريات.

وبهذا يأتي علم معرفة القدر وانواعه من رزق ووعد ووعيد.. كغيب نسبي بدلالة دعوة الله تعالى إلى الناس بالنظر واخبارهم بذلك بالإشارة إليه في الآية يكون أمرا مباحاً وليس محرماً ولا منكراً. 

ولقد ذكر الله تعالى أن علم القدر من رزق ووعد ووعيد ومعرفته تكمن في السماء الدنيا تتنزل علما ووحيا على الملائكة الرسل ومنهم إلى البشر المرسلون الذين يتم حمايتهم عبر رصد من شهب السماء..

ومع العلم بأن حركة الكواكب والنجوم والأفلاك في مداراتها ليست عشوائية بكل تأكيد بل هي مخططة قدرا يوم أن خلقت ومسيرة إلى قيام الساعة .. وبناء على كل ذلك يكون علم الأبراج الصحيح وحركات الاجرام في الفلك بهذا تكون وحيا مرئيا من الله تعالى إلى مخلوقاته العاقلة كالبشر و الملائكة الكرام المكلفون بتنفيذ أوامر الله في تنفيذ ترتيب قدره على الارض .

أما الجن والشياطين فهم مرجومون إن حاولوا الإطلاع بالسمع على علم ووحى الملائكة المبلغ إليهم بواسطة الروح لقول القرآن بلسان الجن:

وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8)وَأَنَّا  كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ ۖ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا (9)سورة الجن.

فذلك دليل يقيني أن علم الأبراج هو علم من أنزه العلوم وأشرفها التي لا نعلمها لأن الله تعالى قد أقسم بها في سورة البروج في قوله: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) 

وألحق بهذه الآية قسم آخر بقوله: واليوم الموعود.

فهذه دلالة إرتباط واضحة إذ هي وحي من الله إلى ملائكته في السماء الدنيا يقرأونه فيحاول الجنة الإستماع إليهم لمعرفة الغيب النسبي فيقذفون من كل جانب.

وذلك العلم لا يعلم بشر منه شئ إلا مجرد قشور وسطحيات.. 

وقد ذكر أنه لم يتمكن من نيل ذلك العلم إنسان إلا نبي الله إدريس عليه السلام وقد رفعه الله مكانا عليا بناء على علمه ذلك الذي تعلمه من قراءة الفلك والابراج وقد يكون ذلك الخبر صحيحاً والله تعالى أعلى وأعلم.

وهنا تثور مشكلة عويصة في أن علم الأبراج يستخدمه السحرة والمشعوذين في أعمالهم الشريرة ومن هنا يأتي تحريم البعض لذلك العلم من الأساس فهل يكون محرماً إجمالاً؟

 والبحث عن الرأي الصحيح في ذلك الأمر المشتبه فيه يكفي أن نضرب مثلاً ذلك المثل هو القرآن ذاته والكتب المنزلة سابقآ أيضاً إذ أنها تستخدم في تلك الأعمال الشريرة ولكن بطريقة سلبية ومهينة وفي ذلك دليل واضح على شرف وعلو ذلك العلم( الفلك والابراج) لا دنيته وإحتقاره.. وإلا كان كل علم من دراسة وتدبر للكتب السماوية محرما أيضاً وذلك لا يمكن أن يعتبره عاقل محرما.

وبناء على كل ذلك لا ينبغي تحريم علم الأبراج مطلقاً لأنه ليس غيبا مطلقا بل غيبا نسبياً يظل مشهودا في عالم الشهادة..

 ولو كان غيبا مطلقا محرم معرفته لم يكن متاحاً من الأصل معرفة أي شئ عنه جزئيا أو تفصيلاً لأنه من خصائص علم الله تعالى ومن غير الجائز إستطاعة التوصل إلى معلومات مستقبلية عنه وإلا كان معرفة علم الأرصاد والطقس محرما بذاته مثله كونه غيبا أيضاً.

أما علم قراءة الكف فهو من وجهة نظري هو آية من آيات الله في خلق جسم الإنسان وهو  مذكور في سورة الذاريات إلى جانب الآيات الأخرى إجمالاً في قوله تعالى :

وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)

فهو علم ليس بعلم منكر بل هو من آيات الله تعالى في خلق جسد الإنسان ذو البصمات التي لا تتفق بين إثنين مطلقاً..

و هو علم نافع دعا الله تعالى إلى إبصاره بجانب إبصار الآيات الأخرى في جسم الانسان و لا يدركه إلا عالم كيس فطن والله تعالى أعلى وأعلم.

أما قراءة الفنجان فهي تأتي من باب التخييل الذهني وهذا التخييل ليس حقيقياً بل هو نوع من الإتصال بالجن وهذه الاستعانة محرمة تحريما مؤبد والله تعالى أعلى وأعلم.

أما قراءة اوراق التاروت و الكوتشينة فهي تعتبر من قبيل المصادفات لا أكثر ولا أقل والمصادفات هي قدر بذاتها فيها الصحيح والمفيد وفيها غير ذلك من ضلالات قد تكون من فعل ووحي الشياطين..

فلا ينبغي تحريمها كلية بل يجب التوقف في أمرها..

فعلم المصادفات هذا هو غيب نسبي في ذاته قد أسس له علماء منهجا علمياً فيزيائيا سموه قانون السلسلة ويكفيني قول الله تعالى فيه فيما لا نعلمه حتى الآن :

سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ.

والله تعالى أعلى وأعلم

 والحمد لله رب العالمين.

حسام الدين مصطفى عبيد- باحث في الشريعة الإسلامية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حقيقة التاروت وقراءة الفنجان وعلم الابراج وقراءة الكف من القرآن الكريم.

                     بسم الله الرحمن الرحيم الغيب المطلق والغيب النسبي في القرآن الكريم من المعلوم أن معرفة الغيب المطلق قد انفرد بعلمه الخا...